صقور سيناء

عد أن كانت هواية وتقليد متوارث أصبحت رياضة "صيد الصقور" حرفه ومهنه لكثير من شباب بدو سيناء .. امتهنوها هربا من البطالة وبحثا عن رزق قادم من وراء البحار للمحظوظين منهم.

"تيسير مسعود" أحد هؤلاء الشباب.. حصل على مؤهل متوسط ولم يوفق في الحصول على أي وظيفة حكومية، وأمام انعدام إمكانيات إقامة مشروع صغير قرر أن يجعل من الشبكة والخيط أدوات لحرفة هي في الأساس هوايته المفضلة التي ورثها عن أجداده.

يقول تيسير: "لهذه الحرفة مشكلاتها، وهي أنها تعتمد على الحظ؛ ولذلك فهي بالنسبة لي مرحلة مؤقتة لحين إقامة مشروع صغير".

ويشارك تيسير على امتداد أكثر من مائتي كيلو متر بسواحل سيناء على شاطئ البحر المتوسط مئات من الشباب الذين ينتشرون في انتظار هذا الرزق القادم من وراء البحار.. ينتظرون بشغف عبور الصقور إلى الجانب الآخر من البحر ليوقعوها بمهارة في عيون شباكهم وخيوط شراكهم.. ولكن في مقابل هؤلاء توجد قلة لا يعدو الأمر بالنسبة لها كونه هواية ورياضة.

وتعتبر سيناء هي أحد المسارات الرئيسية للصقور في هجرتها السنوية من "أوروبا" في طريقها إلى إفريقيا وجنوب غرب آسيا.

ويشير نايف أبو قادوس -أحد محترفي هذه المهنة- إلى أن موسم صيد الصقور يبدأ من منتصف سبتمبر حتى أواخر نوفمبر، والبعض لا يلتزم بتوقيت الموسم ويفضل الانتظار طول العام عسى أن يأتيه طائر بالصدفة.

ولكن نايف لا يفضل ذلك ويراه مضيعة للوقت؛ لأن إجمالي من يسعد حظهم بالحصول على هذا الرزق الطائر لا يتعدى -على حد قوله- مائة شخص خلال الموسم نفسه وأحيانًا عشرات قليلة، فكيف سيكون الحال في غير الموسم.

وداعًا للطرق التقليدية
وتتعدد طرق صيد الصقور، بعضها تقليدي، والبعض الآخر حديث دخل الخدمة في التسعينيات على يد طيار إماراتي اسمه محمد خلفان يقضي سنويًّا موسم الصيد بسواحل سيناء.

ويشرح الصياد محمد سلمان عليان الطريقة الحديثة للصيد والتي تسمى بطريقة (الصيد بالكفاية) وهي عبارة عن عمودين ينصبان بينهما مسافة معقولة، ثم تثبت الشبكة عليهما وتوضع الفريسة في مقدمتها فيأتي الصقر طالبًا الفريسة فيقع بها.

أما الطريقة التقليدية فتعتمد على وضع "الشرك" على ظهر حمامة وإطلاقها أمام الصقر أو تعليق طعم به شرك في أرجل صقر آخر وإطلاقه؛ لإغراء الصقر القادم بالاعتداء عليه وأخذ فريسته.

إلا أن هذه الطرق التقليدية أصبحت لا تستخدم إلا في أضيق الحدود، وصارت الطريقة الحديثة هي الأكثر استخدامًا؛ لأنها -على حد قول عليان- سهلة الاستخدام، ونتائجها مضمونة إلى حد ما.

الصيد في مجموعات
ولنجاح عملية الصيد لا بد من اختيار موقع جيد للصيد.. ويحدد الصياد مسعود سليمان مواصفات هذا الموقع الذي يفضل أن يكون بعيدًا عن حركة العمران وعلى ربوة مرتفعة وقمتها مستوية وخالية من الأشجار والحشائش حتى يتمكن الطائر من رؤية الفريسة المصطنعة والتي يكون الصياد قد استعد بها لاستقباله.

ويواجه الصيادون في سبيل اختيار المكان الجيد صعوبات عديدة، أهمها الحصول على موافقة صاحب الأرض التي يتم نصب "الشرك" بها، ويتم التغلب على هذه الصعوبة، كما يقول سليمان، بالاتفاق معه على حصوله على سهم من ثمن ما يتم صيده.

كما يشترط لنجاح عملية الصيد أن تتم في مجموعات.. وتتشكل كل مجموعة من شخصين إلى أربعة؛ وذلك للتناوب فيما بينهم على العمل في المصايد، وأيضًا المشاركة في تكاليف الإقامة والتي في الغالب ما تكون بسيطة جدًّا.

وعن هذه التكاليف يقول الصياد توفيق حسين: "كل ما هو مطلوب.. أوانٍ بسيطة وبعض الدقيق والسكر والشاي والأطعمة وأغطية مناسبة للتدفئة ومستلزمات الصيد الأساسية، ويتم جلب الماء من الآبار وعيون المياه الطبيعية في الصحراء".

"الحر" في المقدمة
يؤدي اتباع الطرق الحديثة والالتزام بشروط عملية الصيد إلى نجاحها والحصول على صيد ثمين.. ويعتبر صقر "الشاهين" بكل أنواعه -كما يؤكد الصياد ضيف الله علي- من أهم الصقور التي يتم صيدها، ويصل سعر الواحد منها إلى قرابة 50 ألف جنيه مصري "الدولار يساوي 5.70 جنيهات مصرية" على حسب عمر وحجم ولون الطائر.

ولكن هذا الصقر -والكلام لا يزال لضيف الله- لا يقارن في الجمال والقيمة بصقر "الحر" الذي نادرًا ما يسلك مسار سواحل سيناء؛ ولذلك يعتبر الإمساك به ثروة إذ يتراوح سعره بين 100 و150 ألف جنيه مصري.

وعن أماكن بيع هذه الصقور يقول سويلم زيدان تاجر صقور: إن عدد تجار الصقور بسيناء قليل، ويقومون بشراء ما يتم قنصه من الصقور بأنواعها وإعادة بيعها لكبار تجار الصقور بمدينة سعود بمحافظة الشرقية -إحدى المحافظات بشمال القاهرة-، حيث يوجد سوق الصقور بها يقصده زبائن من دول الخليج التي تعتبر هي المستورد الوحيد لهذه الطيور.

وعلى الرغم من وجود حظر من الحكومة المصرية على صيد الصقور وبيعها بعد ظهور مرض إنفلونزا الطيور في مصر فإن أسعار الصقور سجلت -كما يؤكد سويلم- زيادة 20% عام 2006، ومن المنتظر أن ترتفع مع بدء موسم عام 2007 في سبتمبر المقبل.